هذا الكتاب سِفْر عَظيم لِخدمة القرآن الكريم في أربعةَ عشر قرناً، فهو يضمّ النصّ الربّاني كاملاً، وخُلاصة جُهود عُلماء التَّفسير في تلك القرون، سجل الجلالان: المحلِّيّ والسُّيوطي، ما كان منها حتى القرن التاسع بإختصار ودقَّة وبَيان، فإذا هو لُبّ لُباب التَّفاسير، ثم تناول العلماء هذا الكتاب المبارك في العصور التالية والأوطان المختلفة، بالرواية والشرح والتوجيه والإستدراك، حتى صار حوله في المكتبة القرآنية ذخيرة لامعة، تُوضح الدَّقائق والإشارات وتُسدِّد مقاصد العبارات، فكان من ذلك ما شغل الدارسين والمُفسرين والوُعاظ والقرّاء في كل مسجد وبيت من بيوت المسلمين، وشَجَّع الناشرين على التفنُّن في صُوَر إخراجه وتنويع أشكاله، ليصدر منه عشرات الطَّبعات التجاريَّة، بلا ضبط أو تحقيق أو تدقيق.
ولذلك عكف عليه الأستاذ المُحقق "فخر الدين قباوة"، منذ بضع عشرة سنةً، بالدراسة والتحقيق، فجمع النسخ الخطية القديمة للكتاب، والمُصنَّفات التي اعتمدها الجلالان في تأليفه، ومصادر المكتبة القرآنية، ليُقدِّم للتاريخ عملاً علميّاً يُمثّل التفسير كما أراده المؤلِّفان، ويُغنيه بالتنسيق والضبط والتوضيح والتقويم، مُبيِّناً ما في الطِّبعاتِ المختلفةِ من قٌصور وأوهام وتصرُّفات تُمثِّل الإعتباط والعشوائية، ثم عرضه على مجموعة من الكرام، فراجعه عُلماء وأُدباء وحُفّاظ، وأبدوا الإعجاب مع المُلاحظات والتوجيهات المشكورة.
وإنك لترى الآن إختصاص هذا العمل المبارك، بالرسم للآيات الكريمة رسماً إملائيّاً مُعاصراً، والتَّمييز الدَّقيق بينها وبين عبارات التفسير، والضَّبط للقراءات الموصوفة، والتَّشكيل اللازم لكلّ عبارة، والتوظيف الكامل لعلامات التَّرقيم، والشَّرح لما أشكل أو استغلق من إشارات ومفاهيم ومعلومات؛ والإيراد لأسباب النزول مُختصرة في مواقعها، والتخريج للأحاديث الشريفة، كل هذا مع فهارس علميَّة تُساعد الباحث على تحصيل بُغيته من أقصر سبيل، وإخراج فنّيّ فائق الإتقان.